الفرق بين تجربة العلامة التجارية وتجربة العميل
الفرق بين تجربة العلامة التجارية وتجربة العميل
المهند السبيعي
تمهيد
يحرص المتخصصون في مجال الإيسام (Branding) تجربة العلامة التجارية على أن تكون علامتهم التجارية سهلة التمييز وأن يتمكن الجمهور من إدراكها من خلال سمات معينة أو طريقة التخاطب من خلال القنوات التي تتواجد عليها العلامة التجارية وتبث عبرها رسائلا متنوعة. في مقالي هذا أحاول أن أضع بذرة لسؤال طرحه الكثيرون هل تجربة العميل هي ذاتها تجربة العلامة التجارية، هل هما وجهان لعملة واحدة؟
مثال تمهيدي
فلنأخذ مثال الرواية، الكاتب سينقل تجربة العلامة التجارية من خلال سرد تفاصيل الشخصية الرئيسية باستفاضة ليتمكن القارئ من تصورها وتخيلها، ويحدث أن يقرأ القارئ حوارا بين أكثر من شخصية في الرواية دون أن تذكر أسماء هذه الشخصيات في كل مرة فيستطيع أن يميز ممن يصدر هذا الحوار بفضل نجاح الروائي في تجسيد الشخصيات بنجاح في عقول القراء
أما تجربة العميل في قراءة هذه الرواية فتتجسد بالمشاعر التي تشكلت في أذهان القراء والأحاسيس التي تركتها الرواية والصدى الذي تردد في صدورهم بفضل كلماتها المنتقاة أثناء وبعد أن انتهوا من قراءتها، وكذلك يرتبط رغبتهم بإعادة قراءتها عدة مرات ورغبتهم في شراء عدة نسخ منها لإهدائها لأصدقائهم وأقاربهم أو الاكتفاء بنصحهم بها أو بكتابة مراجعة عنها في موقع (Goodreads) بأضعف الإيمان
الفجوة بينهما
غاية التسويق تدور حول تموضع العلامة التجارية وتوظيف استراتيجيات التسويق واستخدام عناصر المزيج التسويقي لبناء توقعات المستهلك. أما الغاية من تجربة العميل فهي تقديم تجربة سهلة وسلسلة وثابتة عبر جميع نقاط التفاعل ضمن رحلة العميل. الفجوة تحدث في أي شركة (حتى لو كانت تجربة العميل جزء من إدارة التسويق) ترتبط بتطوير الاستراتيجيتين في عزلة (كل منهما يطور استراتيجيته على حدا)
هذه المشكلة هي منبع الشرور، فلو أن العلامة التجارية تقدم وعودا خلابة تجذب العملاء، إلا أن تجربة العملاء على أرض الواقع لا تتوافق مع هذه الوعود، ففي نهاية المطاف سمعة العلامة التجارية ستتضرر بسبب هذا الانفصام المؤسسي.
في كتاب قراءته مؤخرا بعنوان (We’re Doing CX Wrong…And How To Get It Right by Nicholas Zeisler) انتقد المؤلف بعض مقاييس تجربة العميل الرائجة واقترح مقياسا بسيطا سماه (Brand Alignment Score) ومعناه: درجة محاذاة العلامة التجارية، غايته الرئيسية قياس الفجوة بين الوعد والواقع، السؤال يطرح بالطريقة التالية: وعد علامتنا التجارية هو (كذا وكذا)، بناءً على آخر تجربة لك ما مدى وفائنا لكم بتحقيق هذا الوعد؟، ولم يعرج المؤلف على إن كان المقياس من 5 نقاط أو 10 نقاط … المهم أن يتضمن جانبا كميا وسؤالا مفتوحا (جانب نوعي) لمعرفة رأي العميل في حال كان تقييمه متدنيا على السؤال.
أيهما أهم أو أيهما يأتي أولا؟
هذا السؤال يشبه سؤال (من أتى أولاً: البيضة أم الدجاجة)، في الواقع كلاهما مهم ولكن لأكون منصفا أظن بأن صناعة تجربة العلامة التجارية تأتي أولا في العديد من الشركات ولا يكون ضمن هذه الشركات أساسا أي إدارة أو شخص مسؤول عن تجربة العميل، أما مهنيا فلا يهم من الأول وإنما المهم هو تقليص الفجوة التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة.
قد أبالغ جدا وأبدوا مغرورا إذا قلت أن تقديم تجربة عميل استثنائية قد تغني عن الاستثمار بالتسويق لأن العملاء سيسوقوا للعلامة التجارية مجانا من خلال النصيحة (word of mouth) هذه الفكرة غير واقعية، الواقع يحتم على جميع الشركات أن تستثمر بالتسويق مهما كانت التجربة متميزة، والنتيجة هي أن كل من تجربة العميل وتجربة العلامة التجارية يكمل الآخر ولا غنى لأحدهما عن الآخر.
إذا كانت تجربة العلامة التجارية ترتبط بالمشاعر التي يشعر بها العميل تجاه الشركة فتجربة العميل تتعلق بالمشاعر التي يشعر بها العميل تجاه نفسه حينما يتعامل مع الشركة وتقريب الفجوة التي تحدث بسبب عدم التنسيق المشترك بينهما هو سر النجاح، يجب أن يكون هناك توافق بين الطرفين في عملية ضبط توقعات العملاء وإدارتها وكذلك في موضوع وعد العلامة التجارية
تجربة العميل هي المظلة الكبيرة!
عند وصف الممارسين لتجربة العميل على أنها مظلة كبيرة جدا تضم تحتها عدة جوانب وتخصصات كتجربة المستخدم وتجربة العلامة التجارية أو التسويق لا يتم تفهمنا وتقبلنا، كأنما نقول بطريقة غير مباشرة بأن الوصاية لنا وأن التخصصات المذكورة يجب أن تكون في الهرمية الإدارية تحت إدارة تجربة العميل وهذا الكلام غير صحيح، وفي كثير من الشركات قد تكون جميع التخصصات السابقة ضمن هرميات إدارية مختلفة ومع ذلك يكون هناك تناغم ونجاحات ملحوظة.
أفضل أن أشبه إدارة تجربة العميل بالغدة النخامية التي ترسل إشارات لجميع غدد الجسم (الإدارات) الأخرى لتحثهم على خلق توازن هرموني في الجسم (الشركة) لتقديم تجربة تليق بالعملاء ولكن في النهاية لا غنى بها عن بقية الغدد فإذا خملت أحدها لن تستطيع الغدة النخامية أن تقوم بدورها وسيضطرب الجسم وتظهر عوارض معينة لخمول أحد هذه الغدد تنعكس بشكل سلبي على التجربة التي يتلقاها العميل
الحرب الباردة
لا يدرك العديد من المسوقيين أثر رسائلهم التسويقية في إعادة ضبط توقعات العملاء أو في إعطاء وعود ظاهرة أو مبطنة (بالرغم من أن زملاؤهم في الإدارات الأخرى) غير قادرين على الوفاء بها، هنا يأتي دور محامي دفاع العملاء (تجربة العميل) للوقوف في وجه إطلاق هذه الإعلانات أو الرسائل ويطالبون بإيقافها أو إجراء تعديلات معينة فيها لضمان قدرة الشركة على الوفاء بالوعود. إن كان على القائمين تجربة العلامة التجارية إعطاء الوعود فدور القائمين على تجربة العميل هو الحرص على تحقيق هذه الوعود.
في جانب الوفاء بالوعد تحديدا ينبغي أخذ مشورة المتخصصين في تجربة العميل قبل إطلاق أي إعلان مرئي أو مسموع أو مطبوع، إلى أن يتمتع أعضاء فريق التسويق والعلامة التجارية بالعقلية الملائمة والتقمص العاطفي الكافي لتقديم محتوى سهل الفهم، والفعل المرغوب من العميل واضح، لا يرفع التوقعات، يتضمن وعودا يمكن لمقدم الخدمة أو المنتج الوفاء بها.
تجربة العميل هي التسويق الجديد
أكاد أجزم أن وجود فريق تسويق متميز، يعتني بكل عناصر المزيج التسويقي السبعة الـ (P’s) وليس المحدثة الثلاثة عشر، يغني عن وجود إدارة متفرغة معنية بإدارة وتحسين تجربة العميل … لكني لم أجد شركة حتى الآن أتقنت جميع عناصر المزيج وأغلب الشركات يعتني بجانب الترويج أكثر من أي جانب آخر. وقد أميل لفرضية أن تجربة العميل هي التسويق الجديد.
من المهم جدا أن نُذكّر زملائنا المتخصصين بإدارة العلامة التجارية بأن العملاء في نهاية المطاف يثمنون ما يواجهونه على أرض الواقع عند تجربة الخدمة أو المنتج وليس ما يشاهدونه أو يسمعونه عنها من وعود.
لنتخيل تطبيقا على الهواتف الذكية يتضمن واجهات بتصاميم رائعة جدا تأخذ الأنفاس لكن تجربة المستخدم فيه تعيسة جدا فكثير من الميزات لا تعمل أو تؤدي إلى طرق مغلقة فهل سينجح هذا التطبيق؟
لنأخذ القيم المؤسسية كمثال: هل حقا تلتزم الشركة تجاه نفسها بالقيم التي تدعي بأنها تؤمن بها وبأنها تستخدمها كبوصلة في قراراتها اليومية؟ أم أنها مجرد شعارات صماء على الجدران؟ لو كانت مجرد شعارات سيشعر كل من الموظفين أو العملاء بمشاعر سلبية لأن الشركة ادعت ما لا تفعل. نذكر أن بعض.
في الختام
يقال (وبالأضداد تعرف الأشياء)، مقالي هذا ما هو إلا محاولة متواضعة لتقريب المفاهيم وليس لوضع حدود فاصلة أو لمفاضلة مجال على آخر، فأرجو أن أكون قد وفقت في تحقيق هذا الهدف. كاستنتاج نهائي يمكن أن أقول أن كلاً من تجربة العلامة التجارية وتجربة العميل يكمل الآخر (كما الذكر والأنثى) ولا غنى لأحدهما عن الآخر ولا مفاضلة لأحدهما عن الآخر، والعلاقة و أوجه التشابه بينهما أكبر من أوجه الاختلاف.
صورة الغلاف مستهلمة من كتاب كتبه لويس كاربون أحد المخضرمين في مجالنا وأحد أباءه الروحيين، الكتاب على هذا الرابط أنصح جميع الممارسين في مجالنا بقراءته لأنه كتاب تأصيلي من الطراز الرفيع، وقد وضح الكاتب فيه العلاقة التكاملية بين تجربة العميل وتجربة العلامة التجارية بوصفه: أن قيمة العلامة التجارية للشركة مبنية على القيمة التجارية المستمدة من تصور المستهلك عن العلامة التجارية، وهذه الأخيرة مبنية على القيمة الناتجة من مشاعر العميل تجاه نفسه عندما يتعامل مع هذه العلامة التجارية (تجربة العميل) والتي بدورها تصنع الولاء تجاه منتجات/خدمات الشركة فتؤدي بالنهاية إلى نتائج مالية أو إلى ارتفاع قيمة أسهم الشركة.